صَّدَفَةُ

صَّدَفَةُ (PDF)

مُجهل

عندما أبدأ في الكتابة، أبدأ بالأسئلة دائمًا. منذ المرة الأولى حتى الآن في عامي الخامس والعشرين، ربما مضت عشر سنوات على المرة الأولى.

تشغلني دائمًا الأسئلة المتعلقة بي، ترهقني ذاتي، خاصة النسخة التي ليس لديها أجوبة من ذاتي؛ ترهقني مخاوفي الصغيرة التي كبرت مع مرور السنين، كبرنا لنأخذ سويًا من الواقع نصيبنا من الحقيقة؛ الحقيقة التي تصبح عندها المخاوف واقعًا وأصبح أنا أكثر حزنًا.

منغلقة كصدفة بحر؛ تم نعتي بهذا الوصف كانتقاد، ربما انزعجت لحظتها، ولاحقًا في أوقات مختلفة ولأسباب تتعلق بصعوبة التعبير عن نفسي والتواصل مع كل ما هو خارج ذاتي. أشعر الآن أن جزءًا مني تآلف مع هذا الوصف- أحببتهُ وتصالحت معه، وأُحس أحيانًا أن هذا سبب ولعي بجمع صدف البحر كلما ذهبت إلى الشاطئ. ذات مرة أعطتني حبيبة صدفًا بعد عودتها من الشاطئ مثلما أفعل، أحببت فكرة أنها تَقبلتني وأحَبتني مثلما أنا في تلك اللحظة رُغم معاناتها الشديدة من انزوائي وبعدي وانغلاقي.

مع الوقت تحولت تلك الصدفة لخزانتي التي تحملني لكنها لا تنفتح لأجلي أحيانًا. وتعرقل عليّ العيّش اللحظي، الشعور بما داخلي حقًا بكامل قبحه وثقله ، تنفيني عن نفسي وتنقلب عليّ، تجعل فعل الكتابة بعيدًا جدًا، ومفتعلًا وحميميته ترفضني أو أرفضها أنا؛ لست أدري.   

من أنا لأكتب؟ وما الذي سيحدث لو  كتبت؟

امرأة أخرى، مثلية أخرى، خائفة أخرى، تتهرب من الكتابة التي أصبحت عبء (مكون من العجز والقيود، عبء علاقة جميلة يثقلها الخوف والقلق)، تحملُ غضبٍ قادرٍ على تدميرها الشخصي، تكره ما يفعله بنا الخوف، وعواقبه على أفعالنا. أدرك اللحظة التي يقرر عقلي فيها الكتابة عن ذاتي كغائب، أكره عندما يظهر ضمير الغائب في كتابتي في اللحظة التي أكون اقتربتُ قليلًا فيها من الغوص داخل ذاتي، داخل حقيقة أتجنبها، داخل ما يؤلمني. أدرك اللحظة التي يقرر فيها عقلي دون أذني أن يهمشني.

الكتابة فعل حياة، للاتي لا تجدن التنفس خارج دفتي كتاب، اللاتي تشكل نضجهن ووعيهن بكلمات نساء، ربما كنّ خائفات أيضًا، لا أقصد الوعي السياسي فقط وأنظمة القهر وما يحدث حولنا، بل هذا الوعي الشخصي جدًا والذي يفعله بنا عندما يمسُ مكان ما داخلنا لم نكن نعرف بوجوده. أريد أن أكتب لأنني لا أعرف كيف أعيش دون أن أكتب.

 

كاتبات الخزانة

Share Button