صناعة الإنترنت النسوي

 

صناعة الإنترنت النسوي

 

نُشر النص الأصلي  باللغة الإنجليزية على موقع مؤسسة AWID في ديسمبر 2017.

كتابة: روشيل جونز

ترجمة: سارة قدري

رغم الحضور القوي لتكنولوجيا الإنترنت في العديد من مساحات التنظيم النسوي، إلا أن العالم الافتراضي ما زال امتدادا للواقع في العديد من النواحي.

” الإنترنت في شكله الحالي تعد انعكاساً للحياة خارجه، إذ يعكس التهميش الذي تتعرض له بعض الفئات (النساء، وبالأخص ذوات البشرة الملونة، والأشخاص ذوي الهويات الجندرية أو الجنسية غير النمطية، والأشخاص ذوي القدرات الخاصة، وغيرهم من الأقليات). الانترنت تعكس التمييز بأشكاله… تعكس التصرفات والأفكار السادية… تعكس العنف.” – 1دايتا كاتوراني

تعترف الكاتبة دايتا كاتيوراني في أطروحتها بالحاجة إلى “إنترنت نسوي”، استنادًا إلى أن المعايير المغايرة-الأبوية-الرأسمالية الراسخة في مجتمعاتنا تنعكس بكل أوجه الأذى والقهر على الفضاء الالكتروني.

وهناك أمثلة لا تحصى، من بينها بحث أوروبي نُشر مؤخرا، يقدر أن كل واحدة من كل عشر نساء في الاتحاد الأوروبي قد تعرضن لأحد أشكال العنف الإلكتروني منذ سن الخامسة عشر. من بينها الملاحقة الإلكترونية، والتحرش، وخطاب الكراهية، وتسريب مواد جنسية بغرض الانتقام، بجانب أشكال أخرى.

كما كشفت دراسة، أجرتها المؤسسة النسوية النيبالية “لووم”، أن الشابات يتعرضن للتحرش “لجرأتهن في التعبير عن آرائهن” في العالم الإلكتروني.

كيف نخلق “إنترنت نسوي” تدعم الحركات المثابرة والقوية، وتشكل ساحة ومساحة لنشاطنا النسوي؟

تسكتشف النسويات هذه الأسئلة كجزء من مشروع “تخيلن إنترنت نسوي” بدعوة من جمعية الاتصالات التقدمية (APC). وكانت الجمعية قد استضافت أول اجتماعين عن النوع، والجنسانية، والإنترنت في عامي 2014 و2015 تحت نفس الاسم.

وخرجت هذه الاجتماعات بما عُرف بـ “المبادئ النسوية للإنترنت“، بمشاركة  أكثر من مئة ناشطة من الحركات النسوية، والحقوق الجنسية، وحقوق الإنترنت. وحددت هذه المبادئ “المجالات الأساسية التي تعتبر حاسمة لاستيعاب قدرة الإنترنت علي التغيير في ما يتعلق بالحقوق، والسعادة، وإنهاء التمييز“.

ويجمع مشروع “تخيلن إنترنت نسوي” ناشطات من كل مناطق العالم تقريبا، بما في ذلك جنوب آسيا، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، والمحيط الهادي، وأوروبا، وأمريكا الشمالية، وأمريكا اللاتينية، والقوقاز، ووسط آسيا.

ويعتبر اجتماع المشروع، تجمعا ضخما للناشطات صاحبات التجارب، والتوقعات والخبرات المتنوعة. وقد استغللنا هذة الفرصة لنبحر سويا ونقترب بمسارتنا المعرفية المختلفة، لنتقدم في ملحمتنا الطويلة لخلق إنترنت نسوي.

لماذا نحتاج إلي إنترنت نسوي؟

ترى فالي، منسقة مبادرة EROTICS 2 التابعة لجمعية الاتصالات التقدمية (APC) في جنوب آسيا “أن الإنترنت تسببت في هزة للحركات النسوية، إذ لا نحتاج أن نكون مسجلين ومنظمين كحال المنظمات غير الحكومية التقليدية”.

وتتيح الإنترنت الاختلاف والتنوع والمرونة عبر الزمان والمكان أكثر من أي وقت مضى.

كما خلقت فرص جديدة للاتصال، والانتماء، والتعبير، والنشاط، وقدمت أدوات ومنصات ضرورية للتنظيم ومواجهة القهر في جميع أنحاء العالم – خاصة في الظروف التي يكون فيها التنظيم على الارض خطرًا أو غير قانوني أو غير ممكن.

وعلى سبيل المثال، مكنت الإنترنت لاجئي جزيرة مانوس المحتجزين من الحصول على استجابات سريعة من المجموعات المعنية بحقوق الإنسان. وكانوا قد تُرِكوا عالقين بدون طعام أو شراب بعد غلق مركز الاحتجاز الذي تديره أستراليا في بابوا غينيا الجديدة، فرفضوا الرحيل خوفا على سلامتهم.

وانكشف الأمر لحظيا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتمكنوا من الوصول إلى وجذب انتباه وسائل الإعلام العالمية والمناصرين لحقوق اللاجئين. وانتشرت الحملات والتظاهرات لرفع الوعي بموقفهم، وتحدي “سياسة المحيط الهادي” التي انتهجتها الحكومة الأسترالية بخصوص وضع اللاجئين، والحث على إعادة توطينهم في أستراليا أو نيوزيلندا.

وتوفر الإنترنت مساحة لإبراز صوت الخطاب النسوي في السياقات التي تُهَمش أو تُنحى فيها أصوات النساء. وتقول نينكا خايندرافا، التي تدير حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بمجموعة “Women’s Gaze” للنساء الشابات في جورجيا، وأحد الحضور في اجتماع خلق انترنت نسوي:

“نحاول خلق إطار إلكتروني نسوي… أن نحتل الإنترنت… كي لا تُستقطب أو تخشى النساء الجورجيات الشابات للخطاب المهيمن”.

كما تسمح الإنترنت للناشطات بالتكيف السريع مع حملات القمع التي تقوم بها الانظمة السياسية ضد الحركات الحقوقية، مثل حركات حقوق المثليين في روسيا وشمال القوقاز. ويشيع في هذه المنطقة قمع الأشكال المختلفة للتعبير عن الجنسانية والجندر، عن طريق حملات القمع السريعة، والاعتقالات، والاختفاءات، مثل حملة الاعتقالات الأخيرة في الشيشان لمجموعة من الرجال يشتبه في كونهم مثليين. ويلجأ الناس في روسيا إلى الإنترنت، حيث مساحة أكبر للحرية في النقاشات السياسية والاجتماعية، هربا من السرديات المحافظة التي تقدمها وسائل الإعلام التقليدية.

لكن الحكومة الروسية فطنت للأمر، واعتبرت الإنترنت خطرا، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، وتضغط بشدة لمراقبتها ومنعها. لكن مستخدمي الإنترنت نجحوا في المراوغة والتكيف سريعا، مثل استخدام الميم الذي لا يمكن تعقب مصدره، كوسيلة للتعبير عن آرائهم. وحقق هذا الأمر بعض النتائج المثيرة للاهتمام حتي الآن.

وعلى الرغم من الفرص واستراتيجيات التكيف التي توفرها الإنترنت للحركات النسوية والحقوقية، إلا أن العالم الافتراضي لا يزال امتدادا للكثير من سلبيات الواقع – مثل العنف الإلكتروني – وبالأخص ضد النساء والأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم مرنين من حيث النوع أو غير منصاعين لنوعهم الاجتماعي.

ولهذا نخلق إنترنت نسوي.

بناء الحركة في عصر رقمي

“المبادئ النسوية للإنترنت” هي إطار عمل نامٍ لاحتياجات ورغبات الحركات النسوية على الإنترنت، وتتعدى التفاعل مع التحديات، لتقدم مجموعة من التخيلات والمقترحات. ونحن بالفعل نشكل، ونخلق، ونبحر في الإنترنت بطرق تغير من طبيعته.

تتفق الناشطات النسويات أن العمل الجماعي يعزز من قوتنا وتأثيرنا، وأن حركاتنا قادرة على تغيير عالمنا للأفضل. لكننا نحتاج إلى التفكير في مسألة ” السلطة” في العصر الرقمي، وأخذها في الاعتبار، لجعل حركاتنا اكثر قوة وقدرة على المثابرة.

ويُنظَر للإنترنت، في الأصل، كطريقة لجعل السلطة ديمقراطية، وقد أثرت إتاحة الإنترنت علي طريقتنا في التنظيم، وأساليب للتحايل على مسارات المؤسسات التقليدية. إلا أن الإنترنت هي مزيج بين العام والخاص، فمن ناحية تمكّن الإنترنت الشركات الكبيرة من التحكم في بياناتنا واستخدامها. ومن ناحية أخرى، توفر الإنترنت مساحات جديدة وآمنة للتعبير وتكوين مجتمعات للتحكم في سردياتنا الذاتية.

ولذلك، كنسويات، نخصص وقتا للتفكير وتفكيك السلطة بتساؤلاتنا حول وجهين لإتاحة الإنترنت: كيف يمكن استخدامها لتعزيز هياكل السلطة القمعية الموجودة بالفعل؟ وكيف يمكنها تغيير والتشويش على السلطة؟

ومن خلال ترتيب الإجابات لهذه الأسئلة، سنكون في وضع أفضل لاستخدام المبادئ النسوية للإنترنت كإطار عمل لتفعيل فكرة الإنترنت النسوي. والأهم من ذلك، أننا لسنا بحاجة لانتظار كل الإجابات – نحن بالفعل نخلق إنترنت نسوي بمجرد تساؤلاتنا وجرأتنا في طرحها.

يستمر مشروع “تخيلن إنترنت نسوي” في خلق محفزات، وصداقات، وتحالفات، وأفكار، واستراتيجيات جديدة لبناء حركة نسوية، تمثلت في بعض المحادثات التي جرت في اجتماع “خلق إنترنت نسوي”. كما ربطت الاجتماعات شبكة عالمية قوية ومتنوعة ويقظة من الناشطات النسويات الفاعلات في خلق إنترنت نسوي. ويتنوع الحراك الآن، ما بين تطوير خوادم إلكترونية نسوية، كسر ثنائية الأونلاين/الأوفلاين، والأمان الرقمي، الأمر الذي يدل على أننا نحقق تقدم بالفعل.

ومثل كل الملاحم، هناك مغامرة وعدم يقين، واكتشاف، وأخطاء، وفرحة وحزن. لكن بما أنها ملحمة نسوية فهي مذهلة بالفعل. فتدفق نشاطنا الإلكتروني وعلى الأرض، ودمجنا لنوعي النشاط، دليل على أن خلق إنترنت نسوي هو أحد الطرق نحو تشكيل مستقبل نسوي.

This article was originally published by the Association for Women’s Rights in Development (AWID).

بناء الأنترنت النسوي 

Share Button

Footnotes

    • Dhyta Caturani, ناشطة نسوية وحقوقية من إندونسيا، منشغلة بالإنترنت النسوي

    .

  1. EROTICS: An exploratory research project into sexuality and the internet. https://www.apc.org/en/project/erotics-exploratory-research-project-sexuality-and-internet .