محرك بحث جوجل كأداة استعمارية‬

محرك بحث جوجل كأداة استعمارية‬

نُشر النص الأصلي  باللغة الإنجليزية على موقع Medium في مارس 2018.

كتابة: جوشوا آدامز

ترجمة: ريبيكا صعب سعادة

تتمتّع محركات البحث، كمحرك جوجل مثلاً، بتأثير كبير على ما نعتبره مهماً وشعبياً ودقيقاً وذات صلة ومصداقية. أظهرت دراسة أجراها مركز بيو للبحوث (Pew Research Center) في العام ٢٠١٢، أنّ ٩١٪ من مستخدمين/ات هذه المحرّكات إمّا يجدون/يجدن كافة المعلومات المطلوبة عبر هذه المحركات، أو معظمها، في حين أنّ محرّك جوجل يحظى بتفضيل ٨٣٪ من المستخدمين/ات. ‬

ينظر معظم الناس إلى محركات البحث كأنّها مكتبات رقمية نجد فيها المعلومات الأفضل والأقرب لما نبحث عنه وبأقل وقت ممكن. غير أنّ النظر إلى جوجل بهذه الطريقة يصرف النظر عن كون جوجل شركة تلعب دور الوسيط في بيع الإعلانات. في عالم يطغى على إعلامه نموذج إقتصادي مرتكز على الإعلانات، يخضع العالم بأسره لهيمنة تصميم الإمتيازات التكنولوجية ومنتجات. وفي عالم تؤدي فيه السرديات المهيمنة – مبدئياً وفعلياً – إلى نتائج سلبية وقمعية على المجموعات المهمشة، تصبح الأدوات الرقمية، بما في ذلك محركات البحث، قادرة على تعزيز الأشكال الحالية والتاريخية من اللامساواة.‬

مع تزايد النزعة النيوليبرالية في المجتمع العالمي، تتولّى الشركات الخاصة فيه البت في مسائل المصلحة العامة، وتعلو فيه الحقوق الفردية على الحقوق الجماعية. توفّر التكنولوجيات الرقمية طرقًا جديدة تمكّن بعض النخب من أفراد ومؤسسات متمكنة “إمتلاك” الثقافة (أي التمثيل الرقمي لثقافة معينة أو جوانبها الفردية)، وذلك من خلال أدوات تحسين محرك البحث. بناءً على كل ما سبق، لا بدّ لنا من التركيز في كيفية إستخدام محركات البحث، جوجل مثلاً، كأدوات استعمار رقمية.‬

لتوضيح هذه النقطة فلنطلع على نتائج البحث عن كلمة “أوبونتو”.‬

أوبونتو كلمة من اللغة الزولو معناها “الترابط الكوني” – بمعنى آخر، أن لا بد لمصائرنا الفردية أن ترتبط بمصير الجماعة والعكس صحيح، نظرة أفريقية للعالم من عدسة السلطة المجتمعية والمحاسبة والمسؤولية. في إطار مجتمعات الشتات الأفريقي، تتمّ ترجمة أوبونتو بالقول “وجودي من وجودك”.‬

قمت بمسح سجل البحث والكوكيز (ملف تعريف إرتباط) من متصفح البحث، ثمّ أجريت بحث جوجل عن “أوبونتو”. أولى النتائج التي ظهرت دلّت على أوبونتو، “نظام تشغيل مفتوح المصدر يعمل من الحاسوب، إلى السحابة، ومنها إلى كافة الأشياء المتصلة بالإنترنت”، وإذا دخلنا موقع أوبونتو نجد تعريفاً لكلمة أوبونتو على أنّها “كلمة أفريقية قديمة معناها ‘الإنسانية تجاه الآخرين‘”. وترى الشركة أنّ مهمّتها تشمل الصعيدين الإجتماعي والإقتصادي، مشيرةً إلى أنّها تسعى لإدخال “روحية الأوبونتو إلى عالم الحواسيب والبرمجيات”.‬

عند النظر إلى إقتراحات بحث جوجل بناءً على الكلمة المفتاحية “أوبونتو” (Ubuntu)، نجد سلسلة من الكلمات المفتاحية الطويلة (long tail keyword) منها “تنزيل أوبونتو” (Ubuntu download) و”مخدّم أوبونتو” (Ubuntu server) و”أوبونتو ١٧.١٠” (Ubuntu 17.10) و”أوبونتو ١٨.٠٤” (Ubuntu 18.04) و”أوبونتو لينوكس” (Ubuntu Linux)، في حين أنّ إقتراح “معنى أوبونتو” (Ubuntu meaning) فلا يأتي إلى بالمرتبة السادسة.‬

لو قبلنا بالفهم السائد عن محرك جوجل للبحث بأنّه منصة عادلة وديمقراطية وموضوعية تمنحك أهم المعلومات وأكثرها إرتباطاً بالموضوع ومصداقية وشعبية ودقة ، لتوجّب علينا أيضاً قبول إستنتاجين رئيسيين على أساس هذا البحث:‬

– الجانب الأكثر إرتباطاً بموضوع كلمة “أوبونتو” هو أنّ أوبونتو إسم نظام تشغيل.‬

– معنى كلمة “أوبونتو” يأتي بالمرتبة السادسة من حيث الإرتباط.‬

بغض النظر عن رأيك بمهمة أوبونتو الإجتماعية والإقتصادية، يبدو أنّ شركة تكنولوجيا تسيطر على التمثيل الرقمي لمفهوم أساسي في عدد من التقاليد الفلسفية والروحية في المجتمعات الأفريقية أو مجتمعات الشتات الأفريقية. وبما أنّ أدوات تحسين البحث عنصر أساسي من أي إستراتيجية تسويقية في شركات التكنولوجيا، فمن مصلحتها الإقتصادية العمل على هذا الموضوع.‬

لا ضرورة لإفتراض سوء نية لدى أوبونتو كي نعترف بأن مصلحتها تقتضي توجيه مستخدمي/ات شبكة الإنترنت إلى موقعها ومنتجاتها بدلاً من موارد صادرة عن باحثين/ات أفارقة تشرح مفهوم الأوبونتو. كما أنّه من الواضح أن محرك البحث التابع لجوجل أداةٌُ تسهّل هذه العملية وتعزّزها.‬

ومن هنا ضرورة إعادة النظر في كيفية تعزيز محركات البحث للأفكار الاستعمارية في ما يتعلّق بالملكية. فإنّ العدسة الاستعمارية تتيح النظر إلى الموارد – سواء بالمعنى الحرفي كالأراضي التي كانت مملوكة من قبل الشعوب الأصلية، أو بالمعنى الثقافي كالمفاهيم ومنها الأوبونتو – على أنّها متاحة للإستحواذ إذا لم تكن “مملوكة”.‬

وعند تعالي الإعتراضات على حالات من الإستحواذ الثقافي يأتي الرد غالباً بالتساؤل حول “ملكية الثقافة”. من دون التشكيك في النوايا، إلا أنّ السعي لتعقيد هذا النقاش يشتّت الإنتباه عن التوافق غير المعلن حول هوية من يمتلك الثقافة، وهم أفراد وشركات. إنّ شركة واحدة قادرة على تشكيل علاقة المستخدم العادي بمفهوم الأوبونتو تفوق قدرة جماعات الأفارقة وذوي/ات الأصول الأفريقية، مع بالرغم من أنّ هذه الجماعات هي منشأ هذا المفهوم، لا يمكن إعتبار هذه الظاهرة بسيطة أو ثابتة بل هي نتاج عدد من المنظومات الأخلاقية ومنظومات المعتقدات، التاريخية منها والمعاصرة.‬

لو إعتبرنا بحث جوجل أداة ديموقراطية حقاً، فمن من الشتات الأفريقي قادر/ة على تقديم إلتماس بهدف التحكم بصورتهم/ن الثقافية على المنصات الرقمية؟ ‬

إذا كان بحث جوجل أداة ديمقراطية في نهاية المطاف، فمن من جماعات الشتات الأفريقي يمكنه/ا رفع عريضة للسيطرة على صورتهم الثقافية على منصات رقمية؟ ولو كان لهذه الفئة “الصفة القانونية” لتقديم إلتماس، فلمن توجّهه، جوجل أو أوبونتو؟ هل ينحصر حق الإلتماس بالجهة التي “تمتلك” كلمة “أوبونتو”؟ وماذا عن كيفية نشوء خطاب “ملكية الثقافة” في إطار ثقافات المجموعات الملونة والشعوب الأصلية، خصوصاً مجموعات الأفراد السود، مقارنة بنشوئه في إطار الثقافة الغربية البيضاء؟ كيف يمكن للدوافع الفردانية والتحررية ضمن عالم التكنولوجيا أن تساهم في الحفاظ على نوع من الاستعمار الرقمي؟ ودور تزايد حضور التكنولوجيا في حياتنا على تشتيت هذا الخطاب؟‬

علينا أن نفكر في تزايد هيمنة الشركات القوية والمؤثرة على التمثيل الرقمي للمجموعات المهمشة.‬

في كتابها “خوارزميات الإضطهاد: دور محركات البحث في تعزيز العنصرية”( Algorithms of Oppression: How Search Reinforce Racism)، تناقش صفية نوبل، أستاذة في جامعة جنوب كاليفورنيا، دور نتائج محركات البحث في إعادة إنتاج المشاعر السلبية ضد النساء والملونين/ات. ففي العام ٢٠١١ على سبيل المثال، كانت النتيجة الأولى المتوفّرة عند البحث عن “الفتيات السوداوات” (black girls) هي “المهبل الأسود السكري” (Sugary Black Pussy). ممّا يدلّ على تأثير صناعة المواد الإباحية على نتائج البحث ذات العلاقة بالنساء والفتيات، من جهة، ووجود سردية تاريخية تشيّئ النساء السوداوات وتبالغ في جنسنتهنّ، من جهة أخرى. أمّا راميش سرينيفاسان، أستاذ في جامعة كاليفورنيا، فيناقش في كتابه “لمن هذه القرية العالمية؟” (Whose Global Village?) الفكرة السائدة عن شبكة الإنترنت على أنّها ديموقراطية عالمية وفاضلة، وما ينتج عنها من إخفاء لآليات تهميش مجتمعات السكان الأصليين/ات (بالإضافة إلى كيفية توظيف هذه المجتمعات للتكنولوجيا من أجل مكافحة عملية التهميش هذه).‬

قد يكون الإتصال بشبكة الإنترنت واسع الإنتشار في بعض البلدان كالولايات المتحدة الأمريكية، إلا إنّه لا يزال أبعد ما يكون عن المساواة على الصعيد العالمي. يعيش الكثيرون/ات حول العالم من دون هواتف ذكية ولا يستخدمون/ن الإنترنت كل يوم. إذن كيف يمكن للأفكار السائدة حول الإمكانيات الديمقراطية للإنترنت ومحركات البحث أن تعمينا عن الطرق التي تميز بها هذه الأدوات القيم والمعتقدات والأيديولوجيات والأنطولوجيات الغربية؟‬

هذه المواضيع مهمة ولا بد من التأنّي في دراستها والبحث فيها، إلا أنّها تظهر دور الأدوات الرقمية في تعزيز الهيكليات الإجتماعية غير العادلة. فالنظر إلى نتائج البحث عن كلمة “أوبونتو” بشكل نقدي يبيّن تضمين معتقدات وقيم السوق الحرة في بنية محركات البحث، وكيف أنّ المستخدمين/ات يقبلون، غالباً ومن دون وعي، المنظومات القيمية الخاصة بالفردانية والنيوليبيرالية الاستعماريتين والتجاريتين.‬

بناء الإنترنت النسوي 

Share Button