مقدمة اختيار

 

بدأنا العمل على الإصدارة الحالية بدافع تناول مفهوم “الاعتناء بالذات”، محاولين الإجابة على أسئلة مطروحة بين الأفراد والمجموعات المنتمية للحركة النسوية؛ عما يعنيه المصطلح، وتخيل أشكاله المختلفة، وممارساته، وواقعه في سياقنا المحلي. لكن ككل مرة نتصور فيها بديهية السؤال وإجابته، نستقبل نصوصًا تفاجئنا فيها الكاتبات بكلماتهن المعبرة عن حيواتهن، ويرسمن صورة أكثر تعقيدًا وتشابكًا، ليتطور معها وعينا بأهمية عدم التسليم بالسؤال الواحد والطرح الواحد.

وعلى مدار عام كامل تواصلنا فيه مع نساء مختلفات، طرحت النصوص نقاط عدة، اختلطت فيها مشاعر الرغبة في “الاعتناء بالذات” بالشعور بالذنب، بجانب الوحدة والتعقيدات ما بين العام والخاص.

تصحبنا هذه النصوص في رحلة لمواجهة مخاوفنا، ورغبتنا في العثور على تلك القصة أو ذلك النص الذي يخبرنا بكل الصعوبات التي مرت بها “فلانة”، ونجت باستخدام خطوات عملية واضحة، يمكننا تطبيقها بسهولة دون الحاجة لمواجهة صريحة مع النفس.

وتتلخص المواجهة الصريحة مع النفس في الاعتراف بأسباب خوفنا من التعبير عن تعبنا/غضبنا/إحباطاتنا. فهذه المواجهة تكسر الصورة المثالية للمرأة النسوية الرمز (الناجحة)، وطرق قياس النجاح والفشل. فكيف لنا أن نتخيل ممارسة النسوية في ضوء رفضنا لربطها بالبطولة؟!

كانت هذه الإصدارة تصر على عدم الاكتمال. لم يكن لدينا عدد كاتبات كافٍ لنشر إصدارة. تعتذر كاتبات بعد محادثة وتحديد موعد تسليم لثقل الكتابة عليهن. وخضنا الكثير من المناقشات مع كل كاتبة، هنا وهناك على أطراف ووسط مدينة القاهرة في صحبة حميمة… محادثات نبتلعها مع أقداح قهوتنا ودخان سجائرنا.

أرسلنا الدعوة لنساء مختلفات في نهاية عام 2017؛ كاتبات، وفنانات، وحكاءات، ومحررات، وأساتذة جامعة، وباحثات، ومحاميات. طلبنا منهن أن يكتبن عما فعلته النسوية بهن، وعن تأثيرها على ممارساتهن اليومية العادية، وعن تجاربهن الخاصة، وعملهن في المجال العام والخاص، في محاولة منا لإعادة طرح أسئلة خاصة بأجسادنا وحيواتنا وهوياتنا وعملنا النسوي.

نكتب مقدمتنا للإصدارة في نهاية عام 2018، بعد الانتهاء من تحرير جميع نصوص الكاتبات، وإنهاء لوجيستيات المراجعة والتصميم. لم تكن بعد تعنونت بـ “مُثقلة بالهشاشة”، ولم نكن نحن ذواتنا مثقلات بكل تلك الهشاشة.

تعاملنا بشكل عملي في البداية؛ إيميلات مُرسلة، وتنسيق، والكثير من الاجتماعات، وانتظار! Procrastination “علوقية”. هروب من القاهرة، ثم نوبة قلق من عدم الوجود في القاهرة، والعمل غير المنتهي. وتوصلنا لإدراك أن العمل على هذه النصوص يجعلنا نعيش في صدمة ثانوية، وتثير صدمات خاصة بنا. هذه كلمات تصف أجزاء من حيواتنا، وتحكي قصة أو اثنتين مررنا بها ولم نكتبها.  

تحثنا الكاتبات كقارئات على طرح أسئلة أعمق. حتى لو ظنن أنه سؤال فردي يتعلق بعملهن أو حياتهن الخاصة، لكنه في الحقيقة عملية تفكير جماعية، نتشاركها في اختبارنا للنسوية في حياتنا وعملنا، وليس كأيدلوجية منعزلة..

وفرت لنا الكاتبات صورة حية عن استراتيجيات العناد والمقاومة المستمدة من حيواتهن، سواء فيما يتعلق بعملهن، أو علاقتهن بأنفسهن والآخرين. تلك الصور والكلمات ذكّرتنا في لحظات كثيرة بما يعنيه أن تكوني وأن تعيشي كنسوية، وجزء كبير من ذلك يعني الاعتراف أحيانا بهشاشتنا، وباحتمالية انكسارنا، ورغبتنا في -التعبير عن ذلك دون اعتباره فشلا أو شعورًا بالانهزام.

لكي نتعافى يجب أن نتبع النزيف، وأن نشير إلى الجرح، فقد سمّت الكاتبات الأشياء بأسمائها، وكشفن الجروح وعرضنها للهواء. ونحن جميعًا نعلم أن التعافي في حالتنا هو عملية جماعية تبدأ بصوت واحد، نصًا واحدا، يخبرنا أننا لسنا وحدنا.

وعندما نقرأ النصوص المقدمة من الكاتبات قد تسمح هذه الكلمات لنا بالتسامح مع الهشاشة والضعف، وتقبل قدرتنا علي الانهيار ورغبتنا في الاستمرار، والثقة في حاجتنا لبعضنا البعض، والتزامنا بالاعتناء بأنفسنا وببعضنا البعض من خلال توثيق مشاعرنا بكل تشابكاتها.

نكتب سويا… لننجو سويا

اختيار

 مُثقلة بالهشاشة

Share Button