دوافع شديدة الذاتية

دوافع شديدة الذاتية (PDF)

كتابة:  ياسمين

النور خافت، يمرر يده عليّ بلمسات تجعل رغبتي تتوهج، تتلاصق أجسادنا، وأفتح ساقيَّ لأستقبله داخلي ..

كنت شديدة التوتر، أخذت قرارًا واعيًا أنني سأفقد غشاء بكارتي في ذلك اليوم، بعد حوالي عام من صراعي مع نفسي، لم أستطع أن أقرر ذلك بسهولة بالرغم من كوني نسوية ومؤمنة بحرية الجسد، ولكن كلما فكرت في وجهي أمي وأبي إذا علما ما تفعله ابنتهما أتراجع.

يوم ما، جعلتني البلاهة أظن أن بإمكاني اتخاذ قرار فقد غشاء بكارتي، جعلتني البلاهة أقول أن هذا جسدي أنا وحدي، وأنا الوحيدة التي تمتلك الحق في الإقبال أو الامتناع عن هذا القرار، دون الخضوع لأي ضغوط خارجية.

ولكن حين فتحت ساقيَّ جاءت الحقيقة، ألمٌ شديد لم أستطع احتماله، صرخت بشدة، وفي ثانية كتمت صرختي حتى لا يعرف الجيران أن هناك امرأة في تلك البناية تمارس الجنس.

لم نستطع إنهاء الأمر، وعلمت فورًا أن هناك خطأ ما.

تلك المعرفة لم تمنعني من المحاولة مرات أخرى، ولكن كل مرة كنت أشعر بنفس الألم، ومع المحاولات رافق ذلك الألم شعور كبير بالذنب والخوف ورغبة في الهروب من تلك اللحظة التي أيقنت فيها مرارًا أن حتى جسدي يأبى أن يخضع لما قررته، وكأنه غريب عني، وفي يوم ما قررت أن أتوقف عن المحاولة.

كنت شديدة الخوف من زيارة طبيب لمعرفة ما خطبي، لمدة عام ونصف كنت أهرب من تلك اللحظة، لحظة أن اكتشفت أن مشكلتي بسيطة وحلها شديد السهولة، ولكن لا يمكنني القيام به، لأن الطبيب والمستشفى والدولة لن يسمحوا لي بالقيام بتلك الجراحة لأنني لا أمتلك عقد زواج يعطيني الحق في “مزاولة” نشاطي الجنسي.

وكأن الحياة قررت أن تواجهني بواقعي، وأن تردعني عن تمردي، واضعة الحقائق صوب عيني، فمهما كنت نسوية وأطالب بحقي وحق الآخرين في أجسادهن، الحقيقة أن أبي وأمي وعائلتي والطبيب والمستشفى ووزارة الصحة يمتلكون جسدي. هكذا بمنتهى البساطة.

وفي خضم ذلك الصراع، أردت بشدة أن أكتب، شعرت أن في الكتابة يكمن جزء من تحرري من الشعور بالوحدة، أردت أن أجد أخريات مررن بنفس الذي مررت به، أردت أن أعلن، لهذا أنا نسوية وأن دوافعي للنضال شديدة الذاتية، فلذلك أنا أريد بشدة لهذا النظام الأبوي الوصي على جسدي أن ينسحق، أردت الكتابة لأنها تجعل هشاشتي مرئية أمام عيني وتيقنني من أن لغضبي ولعجزي مساحة ما، فعلى الأقل أستطيع أن أكون غاضبة داخل حروفي وجملي ونقاطي وفصلاتي الكثيرة، أردت الكتابة لأنها تمنحني مساحة للتفكير مليًا في أصل دوافعي ومشاعري، لأنها تجعلني أرى وأدرك تفاصيل لم أكن لأرها لو لم أجلس وأبدأ في التفكير، عن أصل الشعور بالذنب الذي لا طالما شعرت به كلما أبى جسدي الانصياع لأوامر عقلي..

ولكني أيضًا أردت الكتابة معلنةً عن من أكون، أردت لاسمي أن يكون بأعلى ما أكتبه، أردت أن أقول هذا هو ألمي، وليس ألمي وحدي، من هنا يأتي غضبي ولست الوحيدة الغاضبة، ومن غضبي تنبثق دوافعي!

أردت أن تنسب تجربتي لي، أن يدرك أصدقائي ومعارفي أنني مررت بهذا، أردت أن أعلن أن الألم الذي بسببه صار النظام أقوى مما يتصورون، وأن ذلك “القهر” لا يكمن فقط في الشعارات الكبرى التي اتخذها رفاقي نهجًا لهم يتغنون بها على المقاهي وفي غرف الأحزاب، و أن القهر لا يكمن فقط في عدم المساواة في الأجور أو في العنف الذي نواجهه يوميًا كنساء في الشوارع، ولكنه أيضًا داخلنا، يتجسد في أدق تفاصيل حياتنا الحميمية، أتذكره وأنا في الفراش، واستحضره في نشوتي.

ولكن هل لتجربتي تلك مساحة للطرح؟ هل يمكن أن تكون تجربتي، والتي تتشابه مع تجارب نساء أخريات، دافع لوضع حرية أجسادنا على أولويات أجندة النضال؟ هل يرى الرفاق التقدميين الثوريين محاربي النظام تجربتي سياسية وأن ألمي نابع من قهر سياسي واجتماعي؟

في الحقيقة خفت بشدة أن أكتب وأنا معلنة اسمي، تملكني التوتر عندما فكرت في المواجهة، فأنا أشعر بالاستنزاف وعدم القدرة على مواصلة الحرب مع الدائرة الأوسع القادرة على سحقي،أعلم جيدًا أن طاقتي محدودة بشدة، وأنني لا أستطيع أن أدخل في صراع جديد، لن أستطيع أن أتحمل كم الأحكام التي ستطلق عليّ، ولا أمتلك القدرة على مواجهة أهلي، جلست أفكر مليًا في رد فعل أمي وأبي إذا علما أن ابنتهما تمارس الجنس خارج إطار الزواج، ومن الغريب أن يأتي هذا الخوف في أكثر اللحظات التي أردت أن أشاركهما فيها ألمي، كل ما أردته منهم أن يتفهما ذلك الألم والعجز، كنت أغمض عيني وأتخيل ذات يوم  وأنا جالسة أحكي لهم كل ما مررت به، وفي ذلك الخيال جسدت كل ما أردته منهم، أن يتعاطفا معي وأن يقولا لي نحن معك أيًا كانت اختياراتك، وسندعمك ولن نجعل شعورك بالعجز قائمًا، وفي كل مرة كنت أفيق على حقيقة أنهما لم ولن يتقبلا ذلك أبدًا.

أعلم جيدًا أن حتى لو قبلني أبي وأمي سيضطران لمواجهة واقع ضاغط نفسيًا ومؤلم، سيكون عليهم خوض حرب لم يختاروها، وستبدأ تلك الحرب من داخلهم، حتى يكسروا كل ما تربوا  ونشأوا عليه.

التمس لهم العذر، وأحبهم.

والآن أكتب وأنا أُجهل هويتي، فالكتابة في حد ذاتها فعل مقاومة، يوثق واقعي وواقعنا، يوثق صراعاتنا التي نعيشها في أدق تفاصيل حياتنا، ويجعل ألمنا معلنًا، ويخلق مساحة لمشاركة غضبنا وهشاشتنا لمواجهة عالم قادر على سحقنا نفسيًا واجتماعيًا وقتما شاء.

 

كاتبات الخزانة

Share Button