سبعة أيام

شادى عبدالله

اليوم الأول

وصلنا  البرشا، وقابلنا يوستينا مديرة جمعية مصر للتنمية وأم مينا المنسقة وفريق بانوراما البرشا اللي أشتغلت معاهم على مدار السنة ونص اللي فاتت، الفريق مكون من سبع بنات بين 12 إلى 17 سنة… كنت خايف البنات يتكسفوا من محمد خالد وباسم عشان بيصوروا بكاميرات كبيرة وبشكل عمرنا ما اتعودنا عليه في الشغل قبل كده، لكن البنات فجأوني إنهم حبوهم وحبوا فكرة التصوير، لدرجة إن اللي مش بتتصور بتيجي تقولي هو أنا ليه مش بتصور!

بدأت اليوم بتمرين، وهو إني خليت كل واحدة من البنات، تاخد ورقة مكتوب عليها شعور معين، المشاعر دي  كانت  ( ضعف، خوف، وحدة، سعادة، غضب) واتعلموا إزاي يلموا قصص بشكل كويس وطلبت منهم يلفوا على البيوت في القرية، ويسألوا شخص أو إتنين عن قصة من حياتهم، حسوا بيها بالشعور المذكور. وهما بيلموا القصص، محمد وباسم كانوا معاهن بيصوروا، وأنا نزلت، اجيب جرادل وخراطيم وطشت، قولت نجرب نعمل بيهم مزيكا في تدريب كان في دماغي.

لما رجعوا طلبت منهن إن كل واحدة تحكي القصة كإنها قصتها…اكتشفت لما حكوا إن كل القصص من ستات رغم إني مطلبتش ده، ستات من أعمار متفاوتة، والعنصر المشترك اللي شكل فكرة العرض إن أربع قصص من سبع قصص، ليها علاقة بلحظات عن الجواز أو الفرح واللي كانوا حاسينه.. الحكايات كانت متنوعة، اللى حكت عن الكوشة وسعادتها واللي حكت عن خنقتها واللي حكت عن رغبتها في الجواز.

بناءاً على القصص، جربنا نعمل مشهد فرح، ونتخيل إن في عروسة واستخدموا أغاني حافظنها، والطشط والجرادل جم في وقتهم واستخدمناهم للطبلة والمزيكا، وكل شوية واحدة فيهم تبقى العروسة، و كان في رفض نفسي في الأول منهن؛ يعني ايه نعمل فرح؟ و مقاومة!  مأقدرش أقول إني فهمت ساعتها الرفض كان وراه إيه تحديدا بس كان واضح إنه شعور مش مريح و بيفتح مواجهة لمشاعر كتيرة.

بعدها أتكلمنا شوية وسألتهن عن سبب عدم رغبتهن إننا نكمل شغل على العرض في خط الجواز، و سألتهن إذا كان تخوفهن إنهم يعملوا فرح في الشارع لأنه عيب أو هيضرهم بشكل ما؟ لكن قالولي إنهم “عادي ،يقدروا يعملوا أي حاجة في الشارع وإنهم مش خايفين وممكن  ينزلوا دلوقتي”،  فقلتلهم يلا بينا… ونزلنا في الشارع قدام الجمعية، وجبنا حتة قماش من عند الكوافير بيضا عملنا بيها طرحة للعروسة و قعدنا في الشارع نغني و نعمل فرح صغير. طبعا في ناس  اتريقوا علينا في الشارع وساعتها في بنات جريت جوا الجمعية مكسوفين  بس أغلبهم فضلوا برا، ودخلنا الجمعية بعدها والبنات كتير منهم قالوا احنا مكسوفين قوي بس مبسوطين واتكلمتنا  على إننا دايما معرضين في عروض الشارع للتريقة ولازم نبقي نفسيا مستعدين لده.

اليوم الثاني

قررنا نروح جزيرة في النيل، تبعد عن البرشا بحوالي نص ساعة وعشان نعمل ورشة هناك كنوع من التغيير وبالمرة تكون فسحة للمجموعة… وصلنا على البر وأخدنا مركب صيد صغيرة، كبيرها تشيل خمس أشخاص بالعافية على دفعتين، بس ركبنا بعد اقناع من الرجل ويوستينا إنه عادي نركب سبعة أفراد في المرة، كنا مرعوبين في الطريق للبر من الجزيرة، وكنت شبه متأكد إننا هنقع بس موقعناش، كان في إحساس رحلة وكنا مبسوطين ومتحمسين قوي بس خايفين نغرق بالمركب اللي مش ثابت خالص بصراحة.

لما وصلنا هناك دخلنا في أوضه (زريبة) عشان نتدرب بعيد عن الجواميس اللي مش ودودة خالص وعلى طول متعصبة وكمان فكرة إنهم رابطنهم من رجليهم عشان ما يهجموش على الناس كانت مخوفانا جدا منهم.

في الأول  ابتديت بتدريبات ليها علاقة بالكلام اللي الناس بتقوله عن الجواز، حلو أو وحش وتأثيره علينا، كان مطلوب إننا نكتب في ورقة، كلام متوقعين إن الناس بتقولوا عليهم أو كلام فعلا بيتقالهم له علاقة بالجواز وأحلامهن المستقبلية سواء متضمنة الجواز أو لأ.

الكلام اتقال في التدريب واتكتب على ورق بس طلع بوجع جامد و تأثيره كان باين جدا عليهن؛ الكلام اللي كتبوه  حكوه كان له علاقة بعدم قدرتهن على تحمل المسئولية أو تعليقات ليها علاقة بالعريس أو شكلهن والخوف من الجواز وضغط الناس اللي حواليهن؛ يعني مثلا اللى عندها 21 سنة و شايفين إنها “بايرة”…

كنت مشغول بتكلم مع بنت من البنات أنا و يوستينا لإنها كانت مضايقة جدا من كلام الناس وضعطهم  والباقي جريوا على الميا ولقوا الولاد من الجزيرة  نطوا في الميا فكانوا عاملين يتفرجوا عليهم من برا بس بعد شوية بعدوا عنهم شوية ونزلوا الميا  وبعدين بقى الدنيا اتملت ضحك ولعب وتهريج، وجم بعد البريك بينقطوا ميا في البروفا، وعرفنا إن معظمهم أول مرة ينزلوا الميا في حياتهم، وكملنا شوية البروفا بعد ما أضفنا للفرح الكلام اللي الناس بتقوله ليهم، والعرض بقي أطول شوية.

اليوم الثالث

كان أخر يوم لمحمد و باسم، البنات كانوا حبوهم قوي وكانوا مضايقين إنهم ماشين وإن اليومين الجايين مفيش كاميرات ماشيه وراهم.

أبتدنا الورشة بتمارين حركة وطلبت منهن يفكروا لو حيردوا على الناس اللي بتقولهم كلام له علاقة بالجواز في حياتهن، هيردوا يقولوا إيه وجبنا شنطة سودا بتاعه خالد و باسم و طلبت منهم يوجهوا كلامهن للشنطة، كأنها مساحة يقولوا كل اللي عايزين يقولوه ومش عارفين.

أخدنا بريك وطلبت منهن يعملوا تمرين يهدي و بعده حطينا الكرسي في نص الأوضة، وقولتلهم اعتبروا الكرسي ده الجواز ومينفعش تتكلموا وتقولوا أي حاجة غير وأنتوا قاعدين عليه… و التمرين ده خلق أخر مشهد في المسرحية القصيرة بتاعتنا… كانوا بيتخانقوا على الكرسي أو بيبعدوا عنه وبيرموه و لما بيقعدوا عليه بيطلعوا فعلا اللي هما حاسينه من حواهم.

طلبت منهم ينزلوا يخلوا ستات أكبر من القرية تحفظهم أغنية أو أتنين من أفراح…وبعد كده عملنا تمرين وكتبنا في ورقه إحنا ليه خايفين نتكلم عن الجواز و قرينا من غير مانعرف الورق بتاع مين وبعدين المجموعة كتبت لبعض ردود على المخاوف دي.. المخاوف كانت قوية بس الردود كمان والتمرين أنتهي والمخاوف ماتحلتش بس بقت علي الترابيزة.

اليوم الرابع

عملنا تمارين ثقة ليها علاقة بالوزن وقرب الفريق من بعضه، وفرقت جدا معاهم عشان أبتدوا يثقوا في نفسهم ويثقوا في بعض وارتاحوا جسديا مع التمرين وكون إنهم بنات بس… كملنا شغل علي العرض  وعملنا بروفات عليه، وأم مينا ويوستينا تحولوا من الفريق الإدارى وكمتابعين للبروفات إلى مشاركات في العرض.

اليوم الخامس

قضينا أول اليوم بنشتغل علي تدريبات متنوعة للتركيز والحركة والتحكم في النفس والتعامل مع السخرية المتوقعة من الجمهور، وعملنا بروفتين على العرض.. مدة العرض 20 دقيقة.. في أغاني كتيرة وكلام قليل وملوش نص مكتوب وكل الكلام ارتجالي بناءاً على اللحظة.. فكل مرة الكلام مختلف والحركة جديدة ودي كانت مغامرة لينا كلنا بس ده كان مخليني و مخليهم مبسوطين وبيخرجوا اللي جواهم من غير اي اصطناع…

اليوم السادس

رحت بدري جدا من كتر ما كنت خايف لأن ده أول عرض للمشروع في الشارع، وخوفي من رد فعل الجمهور للمحتوى وعلي البنات ومن البنات ومن الناس والشارع  و و و..

ابتديت تمرين تسخين سريع للتركيز، واتحركنا في مسيره صغيرة لشارع اسمه “تحت السلك” واتفقنا نعرض مرتين.

حاوطنا مكان العرض بحبال و العيال الصغيرة و الرجالة هي اللي اتلمت وفي راجل قعد يقولي “دي فضيحة!!” عشان الأغاني والكاميرات وإزاي تعملوا كده وراح قال لمحمد “شعرك زي الستات” (محمد مخرج الفيلم شعره طويل شوية) بس في نفس الوقت، ابتسمت  وقلتله- طب اقف اتفرج على العرض, .. العرض عدى على خير و تاني مرة كان في أطفال و ستات أكتر وردود فعلهم كانت كويسة، والأعداد ابتدت تزيد… لقيت يوستينا  والبنات عايزين يعرضوا مرة كمان فعرضنا والعدد كان كتير قوي وردود فعل الناس كانت كويسة ورجعنا الجمعية في مسيرة كبيرة من جمهور وناس مش مصدقين إننا كنا بنعمل عرض بيتكلم على الجواز منسبع7 بنات وفي غنا في الشارع!

واحنا راجعين ابتديت احس بحجم الموضوع أنا ويوستينا مع كل الناس اللي ماشية توقفنا وتتكلم مع البنات… كنت ببص أنا ويوستينا لبعض وفي احاسيس كتير مختلطة مش عارفين نشرحها من اللي حصل.

ولما وصلنا الجمعية لقيت البنات عايزين يعرضوا برا الجمعية للمرة الرابعة بعد ما كانوا مرعوبين أول يوم إنهم يغنوا أغنية برا.. قالولي عشان الناس تعرف إحنا كنا بنشتغل على ايه طول الوقت ده. وفعلا عرضنا قصاد الجمعية وحاء رجل وقعد يطبل ويغني معانا وست جالها هستيريا ضحك من كتر ما هي مش مصدقة…  بس أهم لحظة لما دخلنا جوا وشوفت قد إيه البنات نفسهم اتبسطوا وسابوا نفسهم ويمكن من أكتر المرات اللي شوفت البنات و يوستنا مبسوطة… وأنا كمان فعلا فعلا كنت مبسوط قوي!

اليوم السابع

كلمت يوستينا  وأنا في الطريق للقاهرة، قالتلي الناس سعيده قوي بالعرض واللي ماشفهوش نفسهم يشوفوه، وإننا لازم نعمله تاني!

17/6/2016

شادى عبدالله

مدير مشروع القطر و مدرب به.

Share Button