المشاركة السياسية للنساء في مصر في مرحلة مابعد ثورة 25 يناير 2011

“أنماط تصويت النساء في أعقاب ثورة 25 يناير 2011”

مازال موضوع المشاركة السياسية للنساء شاغلا أكبر للباحثين والمهتمين بتطوير العملية الديمقراطية في شكلها التمثيلي، مركزين على العملية الانتخابية سواء بمناقشة الأنظمة الانتخابية المختلفة، ومناسبة الإجراءات الخاصة لتأكيد مشاركة النساء في العملية السياسية، أو من خلال مراجعة دور الأحزاب السياسية في دعم هذه المشاركة وتسهيلها، أو من خلال النظر إلى كيفية تنظيم الجهاز التمثيلي مثل البرلمان وصياغة مشاريع القوانين داخله، وكيف يمكنها أن تستجيب لاحتياجات النساء وتراعي النوع الاجتماعي فتعيد تشكيل علاقات القوة في المجتمع بما يضمن المساواة للجميع، وغيرها من المواضيع. وفي ظل كل هذه المناقشات قد تؤخذ مشاركة النساء كناخبات على أنها تحصيل حاصل، فالنساء سيشاركن بأصواتهن، وسيخترن، فأين المشكلة؟ وهنا كان لابد من وقفة للنظر لمشاركة النساء كناخبات في مصر، ودراسة أنماط تصويتهن، ولماذا يمارسن هذا الشكل من المشاركة، وكيف يمكن أن يتحولن من مجرد عدد للتصويت سواء لأيدلوجية سياسية أو لمرشح بعينه إلى المشاركة في “امتلاك” العملية الانتخابية إن جاز التعبير في اللغة العربية، فيتحولن إلى صاحبات قرار حقيقي ويساهمن في تغيير شكل العملية السياسية، فلا تكون أحادية الاتجاه، حيث يتلقين التوجيهات بل قد تأخذ هذه العملية أشكالاً متعددة من التأثير المتبادل، بين أشكال التنظيم السياسي المختلفة مثل الأحزاب السياسية والناخبات، وما بينهن وبين العملية الانتخابية نفسها وهكذا، وهنا علينا أن نؤكد أن هذا لا يمكن أن يحدث أي تمكين النساء من العملية الانتخابية كناخبات إلا إذا كان هناك فهم عام أن هذه العملية لا تقتصر على “الذكور” بل هي مفتوحة للجميع، وهذا الفهم العام لن تخلقه الناخبات وحدهن بل يتوجب تعاون صناع القرار، والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والإعلام.

وتركز هذه الدراسة على المشاركة السياسية للنساء كناخبات من خلال البحث والتعرف على التغير الذي طرأ على أنماط المشاركة السياسية للنساء وأنماط تصويتهن، وكذا العقبات التي تعترض مشاركة النساء في الحياة السياسة، وأسباب مشاركتهن في التصويت أو العزوف عنه. وذلك من خلال البحث الميداني في عدد من المحافظات المصرية، هذا بالإضافة إلى التعرف على تفضيلات النساء عند التصويت: أي أحزاب وأي مرشحين أو مرشحات، كما يتطرق لرصد الدور الذي تلعبه منظمات المرأة في الأحزاب والجمعيات الأهلية المدافعة عن حقوق النساء وخاصة الحقوق السياسية في دعم المشاركة السياسية للنساء كناخبات.

وقد تم تطبيق العمل الميداني في الفترة بين مايو – سبتمبر 2014م، في محافظات: القاهرة، والإسكندرية، والمنصورة، والمنيا، والجيزة وذلك للتعرف على الأبعاد السابقة في محافظات حضرية (القاهرة)، ومحافظات تجمع بين خصائص الحضر والريف حيث بها مراكز وقرى ريفية (المنصورة، المنيا والجيزة)، ومحافظات حضرية ساحلية وبها مناطق عشوائية (الإسكندرية). واستهدف العمل الميداني التعرف على ما هو مستمر من أشكال مشاركة مما قبل الثورة وما الذي اختلف، كما سعى العمل الميداني للتعرف على الفرص وكذا العقبات التي تواجهها النساء عند المشاركة في السياسة.

كما قابل فريق الدراسة مجموعة من القيادات السياسية سواء رجال أو نساء، لمناقشة الأبعاد الجندرية في خطط حشد المصوتات، فكثيرًا ما يذكر أن أصوات النساء يتم شراؤها بتوزيع “الزيت والسكر” وغيرها من السلع التموينية، وبالتالي تستطيع النساء استغلال ذلك للتأثير على المرشحين والمرشحات من خلال الضغط لتعظيم مكاسب معينة على حساب الخيارات السياسية، وهو ما قد يستغله بعض المرشحين لكسب أصوات كتلة تصويت هامة أي أصوات النساء.

وقد توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج أهمها: أن دوافع تصويت الناخبات في مصر تتنوع ما بين الريف والحضر، وإن كان يمكن وصف الكثير منها في المجمل بالبراجماتية، فأين ستكون الاستفادة، من سيأتي بالتغيير الاقتصادي والاجتماعي المطلوب، وتحسين نمط الحياة، إن المرشح أو المرشحة سواء المستقل أو المستقلة، أو المنتمي أو المنتمية لحزب معين ويمكنه أو يمكنها تقديم إجابة مقنعة هو أو هي من سيتم انتخابه، ومن النتائج المهمة أيضا الرأي السلبي في دور الأحزاب السياسية، وأنها لا تبغي إلا التنازع على السلطة، بما يكشف أمرين مهمين، أولهما عدم وجود فهم عام لدور الأحزاب السياسية وأنها تسعى للسلطة لا كهدف ولكن لتنفيذ أيدلوجيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وثانيهما، تقصير الأحزاب السياسية في الوصول للناخبات وشرح هذا الدور، وفتح قنوات التواصل. هذا بالإضافة إلى ما حاولت الدراسة أن تحلله في مسألة “النساء لا يصوتن للنساء،” فباختصار هذه المسألة موضع شك، فكيف ستصوت النساء للنساء إن لم يترشحن، وكيف سيفعلن ذلك إن لم تترشح النساء وإن لم يخبرن الناخبات أنهن مرشحات، وإن لم تكن برامجهن تستجيب لمطالب النساء، فالأمر أكثر تعقيدا من مجرد التعميم، وافتراض “عدم التصويت.”

ومن أهم المقترحات التي تقدمها الدراسة أن تنظم الناخبات أنفسهن في شكل مجموعات عمل كي يتمكن من التأثير على العملية الانتخابية أو ما يمكن تسميته “تملك” Ownership العملية ليصبحن فاعلات مؤثرات يأخذن زمام المبادرة، ويمكن لذلك أن يكون من خلال عملية مستمرة ودائمة لتثقيف وتعليم أنفسهن ومن حولهن ساعيات لتغيير وتشكيل منظومة مؤثرة لا في العملية الانتخابية وحدها بل أبعد منها، أي التأثير في العملية السياسية في مجملها.

وهذا المشروع البحثي في مجمله محاولة لمناقشة وتسجيل وتحليل العقبات والتحديات التي تواجهها النساء في مجال المشاركة السياسية، وكذا تحليل أداء النساء في الأحزاب التي نشأت بعد الثورة، والقنوات التي يستخدمنها للتواصل مع الناخبات تحديدا. وقد توصلت الدراسة إلى أنه من المهم إدماج الناخبات في العملية الانتخابية – التي هي جزء مما نعرفه بالديمقراطية التمثيلية – كفاعلات ناشطات يملكن التأثير فيها ليس في يوم التصويت أو الانتخاب وحده بل على امتداد العملية الانتخابية والسياسية عامة، خاصة إن استطعن تنظيم أنفسهن مؤكدات على حقوقهن كمواطنات لهن حقوق متساوية في المجتمع.




Share Button

Leave a Reply

Your email address will not be published.

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.