القاهرة ٩٤

 

 

31-03-2020
كتابة: نانا أبو السعود 

ترتبط “القاهرة / كايرو” بعدة مصطلحات اعتُمِدَت ضمن برنامج عمل مؤتمر السكان والتنمية الذي استضافته مدينة القاهرة في سبتمبر 1994. كيف من الممكن للقاهرة أن تصبح علامة في تاريخ الحقوق الإنجابية؟ نفس المدينة التي تواصل النسويات فيها شرح المفاهيم الأساسية للحقوق الإنجابية قبيل البحث عن حبوب منع الحمل المختفية من السوق! مع كل التغييرات السياقية دولياً وتطور النقاشات فيما بين النسويات، إلا أن هنا، مازال “الحقوق الإنجابية” مصطلح غامض حتى بمرور ٢٥ عاما على ما شهدته مدينتنا أثناء المؤتمر الدولي للسكان والتنمية.

في إبريل من كل عام، تتجمع نسويات من كل بقاع العالم وشتى المجالات على هامش لجنة السكان والتنمية1 التي تعقدها الأمم المتحدة، لمتابعة عمل الحكومات حول برنامج عمل القاهرة. في صباح كل يوم، نلتقي لمشاركة التحديثات من غرف المفاوضات ولتسجيل ردود أفعال جماعية حول الجغرافيا السياسية للكتل الحكومية2؛ أي بلد عرقلت السير؟ نادراً ما نتفاجئ. نسترجع قوائم البلاد المؤيدة للحقوق الجنسية والإنجابية عن ظهر قلب، ونحتفي ببلاد الجنوب التي تأتي في مقدمتها نساء نسويات معلنات عن مواقفهن التقدمية تجاه الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية.  بعضنا يعلم أن تلك الخطوات التقدمية تعتبر نقاط للتقدم في السجال الدبلوماسي الممتد لأيام بين الدول الأعضاء، والبعض الآخر أرهقه التشكيك في نوايا حكومات مازالت تستهين بحيوات النساء. عالمات بقواعد الدبلوماسية جيداً، ومتيقنات أنه لا وجود لحكومات تمركز أجندتها حول العدالة، إلا أننا نتمهل في إطلاق الأحكام العامة. نرصد  الكتل الرافضة لـ “الجندر” باعتباره “مصطلح غامض” كما صرح ممثل إحدى الدول في جلسة ختامية. ونتأمل الاحتفاء المبالغ فيه بـ”الصحة الانجابية” في مقابل رفض “الحقوق الإنجابية”؛ فقد يبدو لوهلة الفرق بين الحقوق والصحة شكلي، لكنه في الحقيقة سياسي.

يُطلق على المصطلحات التي إعتمدتها الحكومات رسمياً (Agreed Language) أو اللغة المتفق عليها. وتعتمد عليها الكتل النسوية في الدفع بمسودات الاتفاق بين الدول في مساحات مناصرة أخرى، على سبيل المثال يمكن استعارة لغة / مصطلح متفق عليها من برنامج عمل القاهرة (1994) في كتابة مسودة أجندة أخرى في عام 2019، على إعتبار انه قد تم التفاوض عليها مسبقًا واعتُمِدَت. بمرور السنين، تعددت جبهات النشاط النسوي وتشتت مع تزايد النبرة اليمينية والمحافظة حول العالم وسيطرة القطاع الخاص على أجندات التنمية والسياسات الدولية تحت مظلة العمل المجتمعي وغلق مساحات مشاركة منظمات المجتمع المدني والنسويات، أصبحت المنصات التي تستضيفها الأمم المتحدة المتنفس الوحيد للكثيرات منا لحراسة “سقف الحريات”. لذا عادت الإشارة بقوة إلى القاهرة وكأنها الطموح. مما  يبدو أحيانًا وكأنه لا مجال لمراجعة نسوية تنظر للغة برنامج عمل القاهرة وتطورها سياسيًا. 

في سياق الحقوق الجنسية والإنجابية، تعود الإشارة للقاهرة لتبينه مصطلح الحقوق الإنجابية ومصطلحات أخرى تحمل في طياتها مفاوضات ومشادات تجاوزت الساعات الأخيرة من الليل. تتوسع الإرتباطات الذهنية لـ “القاهرة” خارج حدود الجغرافيا، فتمس كل المترددات على مساحات المناصرة الدولية. وقعت دلالات بعض تلك المصطلحات على أذني بدهشة، فمن خلال تجربتي في مناقشات سابقة مع زملاء وزميلات عمل بدا وكأننا نحاول  خلق العجلة من جديد كما سجلنا في “حارسات“. وأصبح لا مفر من طرح السؤال مباشرة على أنفسنا وعلى من سبقننا إلى الجبهات، كيف لنفس المدينة بعد خمس وعشرون عاما ألا تتذكر الحقوق الإنجابية، والجنسانية، والإجهاض، وجنسانية المراهقين/المراهقات؟ 

سبق المؤتمر الدولي للسكان والتنمية العديد من المؤتمرات الدولية التي مهدت الطريق لفتح نقاشات محتدمة فيه حول مواضيع عدة منها الإجهاض. وساهمت النقاشات والمعارك الخسرانة للنسويات حينها، في إعادة تنظيمهن لأنفسهن والإستعداد بشراسة في تحضيرهن لمؤتمر بكين في عام ١٩٩٥. السنة الماضية، أثناء حديثي الجانبي على هامش مؤتمر، شاركتني إحدى القائدات النسويات اللاتينيات كيف نظمن أنفسهن حول القاهرة وكيف إستعددن لبكين. إستوقفني الغياب الكامل والتام للمعرفة والخبرة النسوية العابرة للأجيال في مصر. كيف نبني حركة لسنا على دراية بتاريخها وغير متمكنات من أدواتها؟ وكيف هجرنا منصات إستخدمتها أجيال سبقتنا  ولم يتركن الباب خلفهن لنا؟

ضمن تيمة عملنا السنوية في <<اختيار>> الجسد والتاريخ، نبحث في هذه الإصدارة الحية  المكونة من مرحلتين  عن الفجوة بين اللغة والواقع والمتغير هو التاريخ.

المرحلة الأولى

مارس 2020

المرحلة الثانية

يونية 2021

 

Share Button

Footnotes

  1. هي واحدة من لجان المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة، أنشئت في أكتوبر ١٩٤٦ تحت مسمى “لجنة السكان” وتم تغييرها لـ “لجنة السكان والتنمية في عام ١٩٩٤ لمتابعة تنفيذ برنامج عمل القاهرة.
  2. كتل الدول الأعضاء: مجموعة إفريقيا، مجموعة آسيا والمحيط الهادي، مجموعة أوروبا الشرقية، مجموعة أمريكا اللاتينية والكاريبي، مجموعة أوروبا الغربية وبلدان أخرى.